Tuesday, June 2, 2009

عائشة المغربي

الشاعرة والاديبة الليبية عائشة المغربي بين مرئيات الحياة وانكسارات الامل ترسم لوحة الحب


الشاعرة عائشة المغربي

دمشق - محمد أحمد طيارة:

عندما تشرق الشمس يكون القمر في المحاق وعندما تلتحم الكلمات ينبثق الوجه الآخر للحياة وبين هذا وذاك تتناثر بين الغيوم لوحة مطرزة بسحر الانوثة وجمالية اللقطة المفردة.. وكما يقول صباح فخري "انت جودي فصيلينا اسوة بالعاشقين".. لم اكن اعرف يوما بانني سألتقي بمبدعة وشاعرة اختارت لنفسها مكانا تغرد فيه خارج كل اسراب الدنيا و تحلق في فضاءات وجدانية ناثرة اريج الكلمات فوق اوراق التوت، الدكتورة والاديبة والشاعرة الليبية عائشة ادريس المغربي واحدة من جيل تمرد على ذاته واضفى علينا القا شعريا وسردا روائيا التقيتها في مدينة اللاذقية اثناء حضورها في مهمة، كان اللقاء فيه الكثير من همسات العتاب المعطر بنكهة شجر البلوط والسنديان، كانت الشمس تؤذن بالغياب تاركة شفقها على امواج البحر،فقلت لها هل نشعل قناديل الليل ونحاول الغوص في رحاب الدنيا، ابتسمت وقالت لي هل انت مهتم بفلسفة الحياة فقلت لها "انا فلاح بسيط تقاذفته الاقدار جاء من القرية الى المدينة لكنه لم ينبهر باضوائها، مشى تحت المطر لكنه حتى الان لم يصب بقطرة ماء واحدة، استعانت الاستاذة في علم الجمال بالله وقالت انا مثلك ايضا لكنني متمردة على كينونتي عاشقة لثقافة الحياة وفي جذوة روحي تتشابك مفردات الآخر، قلت لها عذرا سنتحدث اذا عن رحلة التمرد بعيدا عن زرقة البحر، تنهدت وقالت يبدو ان في حقيبتك اوراقا مكدسة اتمنى ان تدفع ببعضها قبل ان يفيض البحر، نعم كان للحديث ايقاعات وترانيم دافئة تنسج خيوط روحنا المتعبة وعلى الجانب الآخر يقف حصان برونزي يحاول ان يبلل قدميه بالماء المالح فيظهر نورس حائر يرفرف بجناحيه وعيناه منسدلتان امام الضوء الخافت، يصهل الحصان فجأة، الخوف يسيطر على المكان، ومن بين الامواج تظهر حورية تقول لاتخافوا انه الاصيل الذي ضاقت به الدنيا وجاء لينام حالما على الرمال الذهبية، يسود الصمت في المكان وترتسم البسمة على الشفاه معلنة بداية الرحلة بدون مقدمات.. ياالاهي لقد تجمدت مياه البحر وغابت الزرقة عن العيون وأصبح الحب في مرايا القلب بعيدا عن سطوة الروح:

ذات ليلة

كشفت قرنفلة

سرها

اظلم وجه القمر

تداركت النجوم السماء

فأضاءت

زوايا الكون

لقد خرج المارد الابيض يحمل لوحة الغروب لينتهي المشهد الرومانسي ونمضي الى حجرات ذاك البيت الطيني لنكمل حوارنا.. عائشة انك تقلبين المفردات وتغوصين في أتون النفس الجامحة وترسمين لوحاتك باقل الخسائر، لا.. لا.. ابدا انا ابدأ من حيث ينتهي الآخرون.؟؟؟ اذا لماذا رسمت البعد السابع دون ان تنتبهي لإيقاعاته السرمدية، تضحك.. عندما تلون اللوحة بتفرد سيلعنك الآخرون وعندما تريد ان تحلق في فضاءات الروح سيقمعك الحنين واذا اردت ان تعلق اللوحة فعليك ان تنتبه لكي لاتقع بين اقدام الآخرين، لكن سطوتك الناعمة على مفاتن روحك جعلتك تحلقين في فضاءات ملتهبة وشائكة لايفهمها الا المبدعين والنخبة،مسحت عائشة عرق عيونها الضاحكة وفي غفلة ارجوانية صهرت الياقوتة الجميلة:

أحيانا

ارسم خطا للسماء

البعيدة

يدخلني الضوء

ارسم أشباها

أرى اتساعا على الجدار

اخلع جلدي

اخلع نوافذي

أبواب الغرف

يغرق جدار بيتي

يزدحم جسدي

ينطفئ

ضوء النهار أحيانا

لقد حولت تلك الهمسات الدافئة الى شلال دون ان تصابي بقطرة ماء واحدة برغم ان لجة البحر التي تلوح امامنا اقوى من الصمت المطبق.. اشارت عائشة الى اللجة وهي تقول: دعها ترتفع وترتفع وترتفع...؟؟؟ شاعرتنا اسمحي لنا ان نعود الى روائعك المتلألئة ونرفع القبعة في زمن الصمت.. كيف قطعت خيوط العنكبوت ونسجت منها تلك الحكايات.. ترد بعفوية عندما تبحر في محطات الحياة لابد ان يرافقك احساس غابر يتشح بالامل فاذا لم تجد ذاك الامل عليك باستمرار البحث عنه وعندما لاتجده عليك ان تصنعه من خيوط العنكبوت التي اشرت لها، ونعيد طرح سؤال آخر حول ماهية الحياة ولكن بادبيات الشعراء، قلت لها هل من الممكن ان تعانق الروح وهج الارض وتلتقط ابهار القمر في ليلة حالكة، فقالت في أي طريق هناك محطات وهذه الدنيا ما هي الا سراب مغمى فاذا استطعت ان تجسد دورا فيها تكون قد ارتقيت بجذوة روحك واوقدت شمعة للآخرين تلك هي فلسفتي لهذه الحياة.. ياعزيزتي قد تكونين أصبت الهدف عندما ذهبت بنا في رحلة شاعرية مدماة بالالق المفتون بثقافة الحب وقواميس السرد الروائي الشعري الإبداعي..

خيم الليل وانطفأت القناديل فاعتذرنا من مضيفينا لكن هناك في احدى ردهات اللوكيشين كان رجل جالسا يحاول ان يسمعنا صوته وعندما انتبهنا له اقتربنا منه وسألناه عن حاجته فقال بصوت خافت نسيت ان تسأل هذه المبدعة عن اسفارها وذكرياتها، عندها عرفت بان كل المحطات لها تواريخ وهمست في اذن شاعرتنا هل ممكن ان تردي للاماكن والذكريات العائلية بهجتها فقالت بكل حب:

وعيناك اللتان تهيئان

للنجوم مكانا

لحلم يديك أمد جسدي

نتكئ على كتف باريس

مدينة متعبة بنا

نشرب صحوها على شرفاتنا

الناعسة

ينسكب مطرها الصيفي

على أبواب مقاهي

مجنونة بعشاقها

اغمس إصبعي في

لعاب الكأس

انقش على اتساع السماء

وهجي بك

لم اكن اريد ان انهي اللقاء لكن الرفاق كانوا يتلمسون كلماتنا منتشين بعبق المفردات.. اعتقد اننا رسمنا جزءا من اللوحة لتلك المبدعة التي يلون قلبها الثلج الابيض والتي تحاول بكل طاقاتها ان تجد لها مكانا آخر تحت اشعة الشمس بعيدا عن كل الاماكن الصاخبة.؟؟؟

"أسطورة عائشة"

المدينة تتسع

تتسع جدا

انه التعب يحمل زاده

ويأتي

تفاحة طيبة

وأصدقاء متعفنون

مثل شجرة عارية

توسدت

تلفحت طريق الأحزان المشجر

ولجت غابة القلق

قلبا خاويا

حلما متعبا

ووقتا يذبل

وقبل ان نلملم حاجيات رحلتنا ونمتطي الطريق المرصوفة بشجر الصنوبر على الجانبين كانت الامواج تتراقص والعصافير تغرد بيننا فقالت عائشة وهي تناجي:

سكت بيننا الكلام

سكت غناء الطير

ونام شدو الموج الذي رقص لنا

على الشاطئ البعيد

مهرولة في طريقها للغروب

زامة شفتيها

احتجاجا على قدومه المبكر

سكت الكلام

فما جدوى صباح لست فيه

لاتشرقه بوجهك

سكت الريح المعربد

فلا رسائل يفضها

ولا وشايات يتناقلها

عصفه في الخريف

سكت الحب في الكلام

سكت قلبي

أيها الريح

أنا أعرفك أيها الريح

تسرق دمعتي

تزين بها غيمة حزنك

مطر على الكلام

الذي سكت بيننا

ولا يعود الكلام

شيء في نظام المكان

تعثر بنا

وسكت الكلام

الجدير بالذكر ان الشاعرة عائشة ادريس سعد المغربي واحدة من اهم المبدعين الليبيين حضور كبير في المحافل الثقافية والادبية والاجتماعية وهي أستاذة في فلسفة الفن - جامعة درنة - قاريونس وحائزة على الدكتوراه في فلسفة الجمال من جامعة السوربون، قدمت الكثير من الروائع للمكتبة العربية منها: ديوان شعري بعنوان "خربشات على هامش الكتاب" وعدة مجموعات قصصية منها أوهام الغبار - صمت البنفسج - اميرة الورق - البوح بسر أنثاي وغيرها وهناك رواية قيد الانجاز

Libyan Writers & Artists /أدباء وفنانون ليبيون





لفنان الليبي الدكتور : عبدالله السباعي

لفنان يجب أن يثبت وجوده في محيطه المحلي أولا



حوار : محمد القذافي مسعود ( 2008 ) *



بطاقة تعريف :


عبد الله مختار السباعي
مواليد مصراتة 1943 / ليبيا
متزوج و له سبعة أحفاد
أستاذ سابق بكلية الفنون والإعلام

متقاعد حاليا

المؤهــــــــلات :
ليسانس كلية الآداب والتربية ــ قسم التاريخ ــ الجامعة الليبية ــ بنغازي 1965
بكالوريوس في التأليف والتوزيع الموسيقي من المعهد العالي للموسيقا العربية ــ القاهرة 1976
ماجستير في التربية الموسيقية من مدرسة الموسيقا بجامعة ميتشيقان الولايات المتحدة 1981
دكتوراه الفلسفة في الفنون ــ قسم علوم الموسيقا العربية ــ أكاديمية الفنون القاهرة 1996
التدريس في المدارس الثانوية بمصراتة 1966 ــ 1970
الإشراف على النشاط الموسيقي الطلابي بالجامعة الليبية بنغازي 1970 ــ 1978
التدريس بقسم التربية الموسيقية ــ كلية التربية 1982 ــ 1991
التدريس بقسم الفنون الموسيقية ــ بكلية الفنون والإعلام ــ جامعة الفاتح 1996 ــ 2007
عضو سابق بالهيئة العلمية للمجمع العربي للموسيقا التابع للجامعة العربية
عضو سابق بمجلس تنمية الإبداع الثقافي بالجماهيرية
شاركت بأبحاث في مؤتمرات موسيقية : صنعاء _ بغداد .

أنطاليا وأنقره وأسطنبول بتركيا ــ القاهرة ــ الجزائر ــ سالوسبورغ النمسا ــ الرباط .


شارك بالكتابة في مجلات : طلائع الفاتح ـ تراث الشعب ـ المؤتمر ــ أفانين ــ الإذاعة

كانت له زوايا أسبوعية في صحف الشط والجماهيرية بطرابلس والجماهير بمصراتة والآن لي زاوية أسبوعية بصحيفة أويا
أعد وقدم مجموعة من البرامج الموسيقية بالإذاعة الليبية المرئية والمسموعة وإذاعة شعبية طرابلس خلال الفترة 1977 ــ 2001

صدر له :



تراث النوبة الأندلسية في ليبيا ـ المركز الوطني للمأثورات الشعبية 2001 سبها

تراث الغناء التقليدي والشعبي ــ إدارة النشر والكتاب باللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام 2007

كلام في الموسيقا الجزء الأول نفس الناشر السابق 2008

متفرغ الآن للكتابة والتأليف

له أربع مخطوطات تبحث عن ناشر

كلام في الموسيقا الجزء الثاني ــ تراث النوبة الأندلسية الطبعة الثانية ــ معارف موسيقية ــ الطريقة العيساوية في زاوية مصراتة العيساوية

له مجموعة كبيرة من المؤلفات الموسيقية المتطورة تبحث عن منتج وناشر .



ما هو سر اهتمامك بالزوايا الصوفية ومشايخها ... ؟



أنا في الحقيقة , أنحدر من أسرة صوفية عريقة فوالدي , رحمه الله , كان شيخ مشائخ الطريقة العيساوية في ليبيا , وجدِّه الشيخ " أمحمد محمد السباعي " مؤسس الأسرة السباعية والزاوية العيساوية الأم في منتصف القرن التاسع عشر بمدينة مصراتة بعد استقراره بها وهو في طريق عودته من أداء شعائر الحج إلى موطنه الأصلي مدينة مكناس بالمغرب . وبعد تأسيس الزاوية بدأ في نشر الطريقة العيساوية , التي أسسها الشيخ الكامل سيدي أمحمد بن عيسى في أواخر القرن التاسع الهجري بالمغرب , في جميع أنحاء ليبيا . وقد واصل أولاده وأحفاده من بعده هذه المهمة الصوفية الكبيرة . ولا تزال الزاوية الأم بمصراتة تُشرف على شئون الطريقة ومريديها من مدينة مرزق في أعماق الصحراء الليبية مرورا بواحات الجفرة والكفرة وجالو وأوجله امتدادا على الساحل الشمالي من طبرق وحتى صرمان . ونتيجة لهذه الصلة الوثيقة بالطرق الصوفية قمت باختيار موضوع نوبة المالوف المعاصرة لتكون موضوع الرسالة التي تحصلت بها على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من أكاديمية الفنون بالقاهرة عام 1996. وأنا الآن بصدد إعداد كتاب ضخم يضم مسيرة الأسرة السباعية ودورها الكبير في نشر الطريقة العيساوية في داخل بلادنا وخارجها معتمدا في ذلك على عدد كبير من المخطوطات والوثائق والرسائل الأصلية التي ورثتها عن والدي رحمه الله .



لو توفرت الإمكانيات للفنان الليبي هل تعتقد انه سيصل للعالمية ؟



لماذا يبحث الفنان الليبي عن العالمية ؟ وما هي العالمية في الفن ؟ وما الهدف للوصول إليها ؟ ولعلنا نجد في عمر الشريف الذي وصل للعالمية في مجال السينما خير دليل على ذلك . فهو بعد أن شبع من العالمية رجع ذليلا الى وطنه الأم مصر يبحث عن مسلسلات وأفلام من الدرجة الثالثة حتى يسد رمقه ويعيش . وأنا في رأي أن الفنان يجب أن يثبت وجوده في محيطه المحلي أولا ثم قد ينتقل للمحيط العربي إذا أتيحت له الفرصة , وبعد أن يتربع على قمة الفن في هذين المستويين قد يصل بأعماله إلى العالمية من أوسع أبوابها . والوصول للعالمية يحتاج لموهبة كبيرة , والى علم وتخصص ودعم مادي أكبر . والدليل على ذلك مصطفى العقاد رحمه الله الذي وصل بفلمي الرسالة وعمر المختار إلى قمة العالمية . فهو موهوب ودرس وتخصص في أرقى معاهد السينما في أمريكا وتحصل على دعم مالي كبير لإنتاج أفلامه . فأنا أذكر أنني شاهدت فيلم عمر المختار في إحدى سينمات مدينة أمريكية صغيرة جدا أثناء دراستي هناك في بداية ثمانينيات القرن الماضي وقد لاقى هذا الفيلم نجاحا منقطع النظير في جميع المدن الأمريكية التي عُرض بها . وبعد نجاح العقاد ووصوله إلى العالمية أخد يتردد على مسئولي الإعلام والأثرياء في الدول العربية النفطية باحثا عن دعم مالي لإنتاج فيلم صلاح الدين الأيوبي , ولكنه حفيت قدماه ولم يتحصل على الدعم وانتقل إلى رحمة الله قبل أن يحقق أمنيته الأخيرة للأسف الشديد . وأنا أعتقد أن الفنانين أحمد فكرون وناصر المزداوي يمكن اعتبارهم وصلوا للعالمية في مجال الموسيقا والغناء قبل أن يصله غيرهم من العرب المهاجرين وأذكر منهم الشاب خالد وبقية الشباب الآخرين . ولكن في النهاية رجعوا ليقيموا في سلام وراحة بال في بلادهم !!



أي تأثير لغياب الوسيلة الإعلامية في عملك من تلفزيون وصحافة مقرؤة ؟



لقد سبق وأتيحت لي فرص التعامل مع وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والحمد الله تعالى حيث كنت أول من أعد وقدم برنامجا مرئيا في التلفزيون الليبي منذ أكثر من ثلاثة وعشرون عاما بعنوان " مع الموسيقا " وقد استمر هذا البرنامج حتى عام 2000 قدمت خلالها عشرات الحلقات والسهرات في الثقافة الموسيقية وفي التراث بشتى أنواعه الفنية بأسلوب علمي مبسط للمشاهد العادي . ولم أواصل تقديم البرنامج لأن المسئولين يعاملون هذا البرنامج حسب اللائحة المالية القديمة حيث يدفعون الملاليم للبرنامج وضيوفه بينما يغدقون على برنامج المنوعات ) الخط ولوح ( بمئات الآلاف من الدينارات والتي مردودها الفني في النهاية صفر كبير ، ولازلت إلى يومنا هذا أسأل من عديد المواطنين بمختلف مستوياتهم وفي كل مكان عن برنامجي وعن سبب اختفائه وتغيبه ويتمنون عودته إلى الشاشة بالرغم من غزو المحطات الفضائية اللا محدود في هذه الأيام وانصراف المشاهدين عن محطتنا العتيدة وذلك بسبب ارتباط الناس بهذا البرنامج منذ ظهوره على الشاشة عام 1977 وأذكر أنه في أواخر الثمانينات أن أحد أساتذة كلية التربية سابقا قام بإجراء استبيان عن برامج الإذاعة المرئية فوجد أن برنامج " مع الموسيقا " يتمتع بالترتيب الأول بين تلك البرامج ولله الحمد .



دكتور هل لك أن تحدد لي تعريف الفن الشعبي والأغنية الشعبية تحديدا ؟



الفن الشعبي هو الفن الذي يتبناه الشعب ويصبح ملكا له بعد أن ينسى من أوجده وأنشأه نتيجة لمرور السنين والعقود والأغنية الشعبية هي أغنية مجهولة المؤلف والملحن وتنتقل عبر الأجيال عن طريق النقل والحفظ والترديد والتواتر الشفهي ولا تدون أو تكتب وتؤلف في اللهجة العامية المحلية وتؤدي وظيفة هامة في المجتمعات الإنسانية على اختلاف درجات تحضرها وتقدمها وهي تصاحب بآلات الموسيقى الشعبية كالمزامير والطبول بأنواعها المختلفة .



ما رأيك فيما يقدم حاليا على أنه أغنية شعبية في سوق الكاسيت الليبي ؟



في الحقيقة أنا ضد المهزلة الكبيرة والمأساة الفظيعة التي تجري الآن في سوق الكاسيت في بلادنا , وأنا ضد جميع ما يُنشر ويُباع في هذه السوق الكارثة من أشرطة وأسطوانات لمطربين ومطربات لا يمتلكون أبسط المتطلبات الفنية في نصوصهم وألحانهم وأصواتهم . وأتمنى أن تتدخل الجهات الرسمية لوقف مهزلة الاعتداءات المتكررة في الداخل والخارج على تراث الغناء الشعبي وعلى نهب أنتاج الأغاني الإذاعية القديمة التي أثرى هؤلاء الأدعياء من نهبها وبيعها في سوق النخاسة الفنية في بلادنا وخارجها للأسف الشديد ؟ !

ما هي وجهة نظرك بالنسبة لتطوير التراث ؟



إن موضوع تطوير التراث شائك وتعرض لكثير من الجدل والنقاش واختلاف وجهات النظر ، فهناك من يرى أن يبقى كما هو يؤدي في بيئته الشعبية بآلاته وفنانيه الأصليين وفي أجوائه الخاصة به ويرون أن هذا التراث لا يجب أن ينتقل للإذاعة ويؤدى بفرق ومطربين لا ينتمون إليه وبآلات غريبة عنه ، وهناك من يرى الاستفادة منه في أعمال متطورة ومعالجة بأسلوب علمي مدروس كما تم في بعض الأعمال الموسيقية العربية الكبيرة المستوحاة من التراث الغنائي المصري الحركة الأولى من السيمفونية العربية التي ألفها المؤلف المصري " رفعت جرانة " والتي أخذها من أغنية " عطشان ياصبايا دلوني على السبيل " والحركة الأولى من " كونشيرتو الكمان " التي استوحاها الموسيقار " عطية شرارة " من أغنية " ياخولي الجنينة ادلع ياحسن " كما انه هناك من يرى أن التراث ملكا للجميع ومسموح استعماله واستغلاله بأي طريقة كانت وبدون أي رادع وفي أي شكل تجاري هابط وساقط . وأنا في الحقيقة ضد هذا الاستغلال الأخير الذي جعل تراثنا نهبا لكل من هب ودب من الشرق والغرب مما أساء كثيرا لتراثنا الموسيقي والغنائي العريق الذي أصبح في أيدي غير أمينة أساءت كثيرا إلينا وإلى تراثنا ..!!

ونظرا لعدم اشتراك ليبيا في " منظمة حقوق المؤلف الدولية " فان تراثنا سيبقى نهبا لكل سارق ومتسلط عديم الضمير والأخلاق ليعتدي عليه وينهبه ويجمع الملايين من نشره وتوزيعه كما فعل الكثيرون من الشرق والغرب ( أقصد مصر وتونس ) وغيرها وسيستمر هذا النهب إلى ماشاء الله حتى تشترك بلادنا الحبيبة في هذه المنظمة الدولية التي مقرها في مدينة باريس بفرنسا .



أغلب الألحان الليبية لا تخرج عن مقامي " الرصد و البياتي " لماذا ؟



أعتقد أن السبب بالنسبة للأغاني الشعبية اعتماد ملحني وعازفي هذه الألحان على أدائها بآلة الزمارة و الزكرة المحدودتين في إمكانياتهما الصوتية واللتين في إمكانهما استخراج الجنس الأول من المقامين المذكورين فقط وعدم قدرتهما على أداء بقية أجناس الموسيقى العربية الأخرى . أما بالنسبة للأغاني الإذاعية فهناك العديد من الأعمال القديمة لُحِّنت في مقامات النكريز والنهاوند والكرد والحجاز وغيرها الكثير .



يرى الدكتور وليد غلمية أن الموسيقى العربية " تحولت إلى طنين مواخير " كيف تراها أنت ؟



في رأي أن مصطلح " طنين مواخير " مؤدب جدا وليس كافيا أن نطلقه على موسيقى وغناء العرب اليوم , بفضل الفضائيات العربية التي تحوَّلت إلى كباريهات فضائية تبث على مدى 24 ساعة فيديو كليبات عارية يندى لها الجبين وليست لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالأخلاق والمثل العليا ولا بالغناء العربي الأصيل الذي انتهى زمانه وانقضى بموت فرسانه العظام خلال السنوات الماضية مما جعل الساحة الفنية تخلوا لهؤلاء المتشدقين المزيفين يمرحون فيها بأغاني أقل ما يُقال عنها , بصريح العبارة مع احترامي الشديد للقارئ الكريم , أنها " عفن خرارير " وكفى .





تكلمت في عدد من مقالاتك عن " أهمية التدوين الموسيقي " فما هي علاقة التدوين الموسيقي بتتبع وحفظ الأثر الباقي من التراث وهل يعني عدم الاهتمام بالتدوين ضياع قدر من ذلك التراث ؟



التدوين الموسيقي المستعمل في جميع أنحاء العالم حاليا يُعتبر أرقي وسيلة توصل إليها الإنسان لتحويل الأنغام الموسيقية من مجرد ترددات وذبذبات أثيرية مسموعة إلى رموز وأشكال مكتوبة على ورق مدرج خاص يمكن قراءتها وعزفها وسماعها من جديد في أي مكان وزمان. وللتدوين الموسيقي فوائد جمة عديدة لعل من أهمها توثيق التراث الموسيقي والغنائي المحلي والعربي والعالمي والحفاظ عليه من الضياع والتعديل والتحريف , وتسهيل مهام الفرق الموسيقية في أداء مقاطع هذا التراث العريق ومقاطع الغناء المعاصر في تسجيلاتها وحفلاتها الفنية المتعددة, ومساعدة دارسي العزف على الآلات الموسيقية المختلفة في تطبيق التدريبات والتمرينات اللازمة لتعلم العزف على هذه الآلات. ويمكننا القول أنه لولا التدوين الموسيقي ما وصلت إلينا أجمل المؤلفات الموسيقية والألحان الغنائية التي كتبها مؤلفوها وملحنوها منذ قرون عديدة مضت. ( لزيادة المعلومات عن هذا الموضوع يمكنك الرجوع إلى بحثي المنشور بمجلة المؤتمر التي أصدرها المركز العالمي للكتاب الأخضر عدد 43 سبتمبر 2005 السنة الرابعة) .



ما هي مشاريعك ، ماذا حققت منها حتى اللحظة ، وماذا ينتظر المتبقي منها ليتحقق ؟



موسيقيا : للأسف الشديد وأقولها بكل مرارة لقد وصلت أخيرا لمرحلة اليأس والقنوط من إمكانية نشر أعمالي ومؤلفاتي الموسيقية العربية المتطورة التي أعددتها منذ سنوات طويلة وفشلت في إصدارها ونشرها حتى الآن في شريط مسموع أو أسطوانة مدمجة خاصة أذا علمتم أنني في هذا المجال منذ ستينيات القرن الماضي. ولهذا سأتركها للأجيال القادمة لعلها تجد فيها ما يستحق النشر والتوزيع !!. ولذلك الآن وبعد تقاعدي في العام الماضي من عملي الأكاديمي كأستاذ مشارك بكلية الفنون والإعلام, سأتفرغ , إن شاء الله, للكتابة الموسيقية المتخصصة في الصحف والمجلات وإصدار ونشر بعض الكتب التي أعددت مخطوطاتها في المدة الماضية وأصبحت جاهزة للطبع, المهم هو أن أجد ناشرا يتبنى هذه المهمة في أقرب فرصة ممكنة.



ما هي وجهة نظرك في معهد جمال الدين الميلادي والمعهد العالي للدراسات الموسيقية والمسرحية وكلية الفنون والإعلام ..؟ ( وجهة نظرك من حيث الأداء ) هل تُخرج هذه المؤسسات الأكاديمية كوادر فنية فاعلة ؟ أين يذهب من يتخرجون منها كل سنة ؟ لماذا لا نجدهم يقدمون أعمالهم ويطرحون جديدهم على الساحة أو عبر التلفزيون الليبي وباقي وسائل الإعلام الليبية ؟



المؤسسات العلمية الموسيقية العاملة منذ عقود طويلة في بلادنا هي معهد جمال الدين الميلادي , معهد علي الشعاليه, قسم الفنون الموسيقية بكلية الفنون والإعلام والمركز العالي لتقنية الفنون. تأسست لتخريج مؤهلين ومتخصصين في العزف الآلي وفي تدريس الموسيقى في مرحلة التعليم الأساسي والمتوسط. وفعلا في هذين المجالين كان لخريجي هذه المؤسسات الدور الكبير والفاعل, حيث أن أغلب أعضاء فرق الموسيقى الخاصة والعامة العاملة في أيامنا هذه في بلادنا أغلبها من خريجي هذه المؤسسات, سواء في عزف الآلات الموسيقية أو التلحين والتأليف الموسيقي أو حتى في الغناء والأداء الصوتي الفردي والجماعي. والمجال هنا يضيق لذكر أسماء الخريجين العاملين في هذا المجال. أما الجانب البحثي فقد تأخر كثيرا عن الجانب العملي والتطبيقي. فقد تمَّ افتتاح الدراسات العليا بقسم الفنون الموسيقية بكلية الفنون والإعلام منذ عام 2002 . ومنذ ذلك الوقت تمَّت مناقشة ثمان رسائل ماجستير في فنون التراث الغنائي والموسيقي الليبي حتى الآن توزعت على مدن طرابلس, مرزق, هون, ترهونة, الرابطة و زليطن. وهذه الدراسات لم يتم حتى الآن إصدارها ونشرها لتصبح في متناول القراء والدارسين والباحثين في مجال التراث الشعبي. وعلى من تقع المسئولية في ذلك قد نجد الإجابة عند القارئ الكريم ؟!


طرابلس في 8 /7 /2008


* شاعر وكاتب صحفي من ليبيا