الشاعرة والاديبة الليبية عائشة المغربي بين مرئيات الحياة وانكسارات الامل ترسم لوحة الحب
الشاعرة عائشة المغربي
عندما تشرق الشمس يكون القمر في المحاق وعندما تلتحم الكلمات ينبثق الوجه الآخر للحياة وبين هذا وذاك تتناثر بين الغيوم لوحة مطرزة بسحر الانوثة وجمالية اللقطة المفردة.. وكما يقول صباح فخري "انت جودي فصيلينا اسوة بالعاشقين".. لم اكن اعرف يوما بانني سألتقي بمبدعة وشاعرة اختارت لنفسها مكانا تغرد فيه خارج كل اسراب الدنيا و تحلق في فضاءات وجدانية ناثرة اريج الكلمات فوق اوراق التوت، الدكتورة والاديبة والشاعرة الليبية عائشة ادريس المغربي واحدة من جيل تمرد على ذاته واضفى علينا القا شعريا وسردا روائيا التقيتها في مدينة اللاذقية اثناء حضورها في مهمة، كان اللقاء فيه الكثير من همسات العتاب المعطر بنكهة شجر البلوط والسنديان، كانت الشمس تؤذن بالغياب تاركة شفقها على امواج البحر،فقلت لها هل نشعل قناديل الليل ونحاول الغوص في رحاب الدنيا، ابتسمت وقالت لي هل انت مهتم بفلسفة الحياة فقلت لها "انا فلاح بسيط تقاذفته الاقدار جاء من القرية الى المدينة لكنه لم ينبهر باضوائها، مشى تحت المطر لكنه حتى الان لم يصب بقطرة ماء واحدة، استعانت الاستاذة في علم الجمال بالله وقالت انا مثلك ايضا لكنني متمردة على كينونتي عاشقة لثقافة الحياة وفي جذوة روحي تتشابك مفردات الآخر، قلت لها عذرا سنتحدث اذا عن رحلة التمرد بعيدا عن زرقة البحر، تنهدت وقالت يبدو ان في حقيبتك اوراقا مكدسة اتمنى ان تدفع ببعضها قبل ان يفيض البحر، نعم كان للحديث ايقاعات وترانيم دافئة تنسج خيوط روحنا المتعبة وعلى الجانب الآخر يقف حصان برونزي يحاول ان يبلل قدميه بالماء المالح فيظهر نورس حائر يرفرف بجناحيه وعيناه منسدلتان امام الضوء الخافت، يصهل الحصان فجأة، الخوف يسيطر على المكان، ومن بين الامواج تظهر حورية تقول لاتخافوا انه الاصيل الذي ضاقت به الدنيا وجاء لينام حالما على الرمال الذهبية، يسود الصمت في المكان وترتسم البسمة على الشفاه معلنة بداية الرحلة بدون مقدمات.. ياالاهي لقد تجمدت مياه البحر وغابت الزرقة عن العيون وأصبح الحب في مرايا القلب بعيدا عن سطوة الروح:
ذات ليلة
كشفت قرنفلة
سرها
اظلم وجه القمر
تداركت النجوم السماء
فأضاءت
زوايا الكون
لقد خرج المارد الابيض يحمل لوحة الغروب لينتهي المشهد الرومانسي ونمضي الى حجرات ذاك البيت الطيني لنكمل حوارنا.. عائشة انك تقلبين المفردات وتغوصين في أتون النفس الجامحة وترسمين لوحاتك باقل الخسائر، لا.. لا.. ابدا انا ابدأ من حيث ينتهي الآخرون.؟؟؟ اذا لماذا رسمت البعد السابع دون ان تنتبهي لإيقاعاته السرمدية، تضحك.. عندما تلون اللوحة بتفرد سيلعنك الآخرون وعندما تريد ان تحلق في فضاءات الروح سيقمعك الحنين واذا اردت ان تعلق اللوحة فعليك ان تنتبه لكي لاتقع بين اقدام الآخرين، لكن سطوتك الناعمة على مفاتن روحك جعلتك تحلقين في فضاءات ملتهبة وشائكة لايفهمها الا المبدعين والنخبة،مسحت عائشة عرق عيونها الضاحكة وفي غفلة ارجوانية صهرت الياقوتة الجميلة:
أحيانا
ارسم خطا للسماء
البعيدة
يدخلني الضوء
ارسم أشباها
أرى اتساعا على الجدار
اخلع جلدي
اخلع نوافذي
أبواب الغرف
يغرق جدار بيتي
يزدحم جسدي
ينطفئ
ضوء النهار أحيانا
لقد حولت تلك الهمسات الدافئة الى شلال دون ان تصابي بقطرة ماء واحدة برغم ان لجة البحر التي تلوح امامنا اقوى من الصمت المطبق.. اشارت عائشة الى اللجة وهي تقول: دعها ترتفع وترتفع وترتفع...؟؟؟ شاعرتنا اسمحي لنا ان نعود الى روائعك المتلألئة ونرفع القبعة في زمن الصمت.. كيف قطعت خيوط العنكبوت ونسجت منها تلك الحكايات.. ترد بعفوية عندما تبحر في محطات الحياة لابد ان يرافقك احساس غابر يتشح بالامل فاذا لم تجد ذاك الامل عليك باستمرار البحث عنه وعندما لاتجده عليك ان تصنعه من خيوط العنكبوت التي اشرت لها، ونعيد طرح سؤال آخر حول ماهية الحياة ولكن بادبيات الشعراء، قلت لها هل من الممكن ان تعانق الروح وهج الارض وتلتقط ابهار القمر في ليلة حالكة، فقالت في أي طريق هناك محطات وهذه الدنيا ما هي الا سراب مغمى فاذا استطعت ان تجسد دورا فيها تكون قد ارتقيت بجذوة روحك واوقدت شمعة للآخرين تلك هي فلسفتي لهذه الحياة.. ياعزيزتي قد تكونين أصبت الهدف عندما ذهبت بنا في رحلة شاعرية مدماة بالالق المفتون بثقافة الحب وقواميس السرد الروائي الشعري الإبداعي..
خيم الليل وانطفأت القناديل فاعتذرنا من مضيفينا لكن هناك في احدى ردهات اللوكيشين كان رجل جالسا يحاول ان يسمعنا صوته وعندما انتبهنا له اقتربنا منه وسألناه عن حاجته فقال بصوت خافت نسيت ان تسأل هذه المبدعة عن اسفارها وذكرياتها، عندها عرفت بان كل المحطات لها تواريخ وهمست في اذن شاعرتنا هل ممكن ان تردي للاماكن والذكريات العائلية بهجتها فقالت بكل حب:
وعيناك اللتان تهيئان
للنجوم مكانا
لحلم يديك أمد جسدي
نتكئ على كتف باريس
مدينة متعبة بنا
نشرب صحوها على شرفاتنا
الناعسة
ينسكب مطرها الصيفي
على أبواب مقاهي
مجنونة بعشاقها
اغمس إصبعي في
لعاب الكأس
انقش على اتساع السماء
وهجي بك
لم اكن اريد ان انهي اللقاء لكن الرفاق كانوا يتلمسون كلماتنا منتشين بعبق المفردات.. اعتقد اننا رسمنا جزءا من اللوحة لتلك المبدعة التي يلون قلبها الثلج الابيض والتي تحاول بكل طاقاتها ان تجد لها مكانا آخر تحت اشعة الشمس بعيدا عن كل الاماكن الصاخبة.؟؟؟
"أسطورة عائشة"
المدينة تتسع
تتسع جدا
انه التعب يحمل زاده
ويأتي
تفاحة طيبة
وأصدقاء متعفنون
مثل شجرة عارية
توسدت
تلفحت طريق الأحزان المشجر
ولجت غابة القلق
قلبا خاويا
حلما متعبا
ووقتا يذبل
وقبل ان نلملم حاجيات رحلتنا ونمتطي الطريق المرصوفة بشجر الصنوبر على الجانبين كانت الامواج تتراقص والعصافير تغرد بيننا فقالت عائشة وهي تناجي:
سكت بيننا الكلام
سكت غناء الطير
ونام شدو الموج الذي رقص لنا
على الشاطئ البعيد
مهرولة في طريقها للغروب
زامة شفتيها
احتجاجا على قدومه المبكر
سكت الكلام
فما جدوى صباح لست فيه
لاتشرقه بوجهك
سكت الريح المعربد
فلا رسائل يفضها
ولا وشايات يتناقلها
عصفه في الخريف
سكت الحب في الكلام
سكت قلبي
أيها الريح
أنا أعرفك أيها الريح
تسرق دمعتي
تزين بها غيمة حزنك
مطر على الكلام
الذي سكت بيننا
ولا يعود الكلام
شيء في نظام المكان
تعثر بنا
وسكت الكلام