لم تأخذ الرومانتيكية العربية أشكال ولا كل مضامين وفلسفات الرومانتيكية الأوروبية ، فإذا كانت الرومانتيكية الأوروبية قد ارتبطت في الكثير من جوانبها بالفقراء والخبز والعدل والطبيعة ، فإن الرومانتيكية العربية لم تنحُ إلا ما ندر هذا المنحى ، إن الجانب الأثير لدى الرومانتيكية العربية هو " الذات والعزلة والحرمان الفردي " العاطفي خاصة ، لقد ظلت الرومانتيكية العربية فلسفة وفن أفراد ريفيين في غالبهم يعانون من صدمات المدينة ولامبالاتها بالفرد وطبقيتها الجادة والصريحة وارتبط كل ذلك بنزوح الريفيين والبدو إلى المدن بحثاً عن لقمة العيش ، فلولا صدمة المدينة وضياع البدو والريفيين فيها لا ما كان العرب بحاجة على ما يبدو للرومانتيكية بالشكل والمعنى الذي اتخذته عندهم ، فناً وسياسة واجتماعاً . . . والرومانتيكية في التشكيل العربي ورغم سيادتها على غالب الأعمال الفنية العربية منذ بداية مشروع نهضتهم وحتى انهياره عام 1967 ف لم تنل ذلك الاهتمام لا من المنتجين لهذه الفنون ولا من النقاد والمهتمين بهذه الفنون ، فلقد ظل الرسامون العرب ينسبون أعمالهم الرومانتيكية للانطباعية وللرمزية وللسريالية وحتى للواقعية رغم فلسفتها الرومانتيكية الظاهرة وبالتأكيد ظل النقاد يتبعون تلك التوصيفات ، ربما نتيجة لتداخل هذه المدارس واقترابها من بعضها البعض ، وربما لأوهام التجاوز التي يفضلها العرب دائماً ، فيخيلون أنهم تحولوا إلى مجتمع صناعي رغم اقتصاديات الريع . . " صلاح الشاردة " .. فنان ليبي يمثل ذلك النزوع الرومانتيكي العربي بشكل واضح ، وذلك عبر مفرادته التشكيلية الأثيرة .. كالجواد والستائر الشفافة التي يداعبها النسيم وعبر المرأة التي تهم بالجواد الأبيض الأصيل ، إن " صلاح الشاردة " فنان رومانتيكي حقيقي يرسم أحلامه الجميلة بشفافية ، محاولاً نقل تلك الشفافية إلى اللوحة وبسطها على العالم وذلك مطمح نبيل بالتأكيد . . الرومانتيكي العربي وكما أسلفت ينزع إلى الذاتي دائماً فلا يظهر العالم عبر ذلك الذاتي ، بل يظهر الذاتي عبر الذاتي وهنا مكمن الخلاف بينه وبين الرومانتيكي الأوروبي أثناء ازدهار الرومانتيكية في أوروبا . فلا حرية ديلاكروا التي تقود الشعب ولاثورات الخبز ولا الهتاف ضد القمع والموت الذي بنت به الرومانتيكية الأوروبية أمجادها يظهر في الرومانتيكية العربية ، أنها أي الرومانتيكية العربية أحلام وآلام وحتى أوهام منتجها فقط . . . " صلاح الشاردة " يراوح بين الإتقان الفني والسيطرة على الأدوات كما في لوحة الباب والستار والكرسي والجواد الذي خلفه جياد كالسحاب أو سحاب كالجياد والضعف الفني وعدم السيطرة على الأدوات بل وسذاجة الموضوع كما في لوحة " لاتأخذني " . . . وتتداخل لديه الرغبات والشاعرية محاولاً بتلك الشفافية في الألوان وتلك الضبابية أن يستر وكأي رومانتيكي عربي تلك الرغبات ، كما في لوحة المرأة التي ترتدي المنامة وخلفها جواد أبيض ، تبدو وهي تخرج من باب وضباب شفاف وكأنما تهرب من أحلامها ورغباتها . . . إن الطبيعة تختفي من لوحات الشاردة ولاتظهر إلا الأماكن المغلقة ، وذلك مسرح ممتاز لأحلام وأوهام الرومانتيكي العربي . " صلاح الشاردة " تجربة في التشكيل الليبي ، تسير نحو النضج ونحو قول الذات وإن كان على نحو " رومانتيكي خجول " . http://www.almotamar.com.ly/2002/44/23.html
|
No comments:
Post a Comment