لينا العمّاري
عبر مسيرة مشهدنا التشكيلي نجد أن معظم الفنانين التشكيليين الليبيين قد مروا في بداياتهم _ ولا سيما في فن الرسم _ بالمرحلة الواقعية , حيث غلبت على رسوماتهم سمة الفن التصويري الواقعي و ذلك لـتأصيل الجانب المحلي و الموروث من خلال رصد تفاصيل المعيشية و استشفاف الواقع , أيضا ليكتسب التشكيل طابعا وطنيا و هوية ليبية تتصل بحراك الحياة و تأثيرات البيئة , ولعل هذا الانشغال بالسمات الواقعية هو الذي أسهم شيئا فشيئا في استدراج بعض الفنانين إلى مجال الفن الزخرفي ضمن حيزه الشعبي الخصب , الذي تمكن من إشباع أحاسيسه كعامل فني ابتكاري أوجده الفنان في مساحات هندسية مجردة , تستمد خصائصها الجمالية من تناسق و انسجام الأشكال الزخرفية الشعبية و ألوانها و إيقاع خـطوطها ... و قد اعتبر الفنانون الليبيون الأشكال الزخرفية الشعبية (الخميسة و الهلال) على سبيل المثال موروثا يوظف في تصميم الحلي و الأعمال الفنية المعاصرة من قبل الصائغ الحرفي و الفنان التشكيلي , فالتشكيل و التكوين لوحدات زخرفيه هو في حد ذاته إبداع فني طبقا لرؤية الفنان التشكيلي و الصائغ , حيث كان ما يهم الصائغ الليبي في الماضي الإبداع في تصميم مصوغات جميلة و متقنة الصنع ,نابعة من البيئة الشعبية التي أخذت من بعض الأشكال الزخرفية الشعبية المصاغة مثل ( العوينة و الحويتة و الخميسة و القرين ) وهي نماذج تعد حسب الاعتقاد الشعبي السائد بين العامة بأنها تحرس الإنسان من عين الحسد و تبعده عن الشر , ولعل الفنان تبعا لشغفه بهذه المفردات الشعبية الزخرفية غير مكترث لما ينفقه من وقت و جهد و مثابرة على العمل في إعدادها , وبهذا برزت دلالات تراثية روحية فنية مختلفة ساهمت دون ريب في استلهام بعض الفنانين لعناصر و أنماط تراثية كنتاج للإحساس بقيم ثقافتنا الأصيلة و تراثنا الشعبي
ومن بين هؤلاء الفنانين المتأثرين بالأشكال الزخرفية الشعبية و الحلي ، الفنان ( عبد القادر بدر ) الذي سار على خطى قواعد صحيحة أنشأها مؤسسو الفن التشكيلي الليبي و هي بالأساس قواعد تمكنت الأجيال عبر مسيرتها من تطويرها , و بناء مرتكزات أساسية عليها , في هذا الحقل تحديدا نجد للفنان عبد القادر بدر عديد الأعمال التي تميزت بالبساطة و التناغم البصري الجميل , يشبعها نمط تراثي , وخيال شعبي خصب . . منها تصويري واقعي , و منها زخرفي شعبي , هذه الأعمال يتجسد جلها في أبواب و نوافذ المدينة القديمة التي تغمرنا بدفئها , و رائحة عتاقتها , كذلك تصور ممرات و أقواس مدينة غدامس بطريقة تستأثر التأمل , وتلفت النظر للتعمق أكثر في مدلول عمارتها المتكدسة , كما أنها تمثل عصارة فنون بعض الحضارات القديمة التي أقيمت على أرضنا و التي أغنت تراثنا , لا سيما و أن طريقة التلوين التي يعتمدها هذا الفنان من خلال استخدام ألوان متراصة و متجاورة تعطي إيحاء حميما , و كأنها رصف لمكعبات الفسيفساء اللامتناهي الذي تميز به الفن القوطي في العصور الوسطى . إنما هي في الحقيقة رسمت بألوان متناغمة في سياق موسيقي بهيج , و على الرغم من بساطة الأفكار إلا أن الأداء المتقن و المدروس حسيا قد عبر بامتياز عن ما يسمى ( كولاج شعبي ) بتدرجات لونية مريحة و تكوين رائع . حيث يكتفي الفنان في لوحاته بإظهار تفاصيل فعل الإنسان الحرفي في المفردة الشعبية و إبرازها باللون, مما يجعلها تعطي براحا للمشاهد و اتساعا بيئيا و ريفيا يجاور البحر و الصحراء . إن أعمال : عبد القادر بدر في حيزها الزخرفي تتواصل مع المتلقي المتذوق للفن , وتدهش المتخصص لما تحتويه من إبداع بالغ الخصوصية و الطموح , و عبر هذا التوصيف الموجز أرجو أن أكون قد اقتربت من إبراز بعض سمات هذا الفنان الشاب . عبر مسيرته الفنية التائقة التي حاول من خلالها ابتكار و إضافة الجديد من أحاسيسه و تجربته لمشهد الفن التشكيلي الليبي .
No comments:
Post a Comment