مصطفى علي حمودة - تصوير: أحمد السيفاو السبت, 03 أكتوبر - التمور 2009 20:07
الفنان إنسان أدمن الفن وشرب حد الثمالة نخب الجمال، وضفافه إبداعه مترعة بأزهار الفن، والفن عند بعض منهم كزهرة لوز ترعرعت في كنف الطبيعة، والبعض الآخر أزهار يرنو إليها البصر بالنظر ويهفو إليها الأنف بالشم يستنشق عبق شذاها، فتستريح الروح لرؤياها وينبض على الإثر قلب إنسان بين جوانحه، ويستحوذ على العقل لب الجمال النابع من ألوانها فتورث المرء سحراً لا يضاهيه أي سحر وجوديٌ، وتورثه سعادة لا تمنحها كنوز الدنيا.. كما يرى كل فنان الفن وفقا لما يدور في عالمه الساكن في داخله، ووفقا للبيئة وللحياة التي يحياها والشعور الذي يتلذذ العيش به أو يتعذب به.. لقد كان يوما رائعاً ذاك الذي التقيت فيه بمجموعة من التشكيليين بــ(دار ليبيا للفنون) الواقعة أمام شاهد من شواهد الحضارة الرومانية القديمة (قوس ماركوس أوريليوس) ليشكّلوا بأعمالهم فسيفساء من اللوحات ذات الالوان الصارخة التي تمثل العديد من المدارس التشكيلية والتقنيات المتنوعة التي لا يكل الإنسان الفنان ولا يمل وهو في تجريب ومثابرة من أجل الوصول للوحة تريحه كفنان وترضيه وتقنع حواسه والتي يعتقد هذه المرحلة التي لو قدر له الوصول إليها فإن رضاه مقرون برضا مريديه وعاشقي فنونه..
الفنان التشكيلي "محمد الغرياني".. ومن بين التشكيليين الذين كانوا هناك وشارك بعملين حديثين يعتمد فيهما على خامة الأكريلك، وأولاهما عبارة عن تكوين مجزّء، أما الثانية فهي لــ"فارس" يرتدي الزي التراثي الوطني، وأعماله مجرّدة تجريدا كاملاً ومواكبة للحداثة وذلك في خطوة منه لجذب اهتمام المشاهد ومواكبة الحياة الفنية العصرية من حيث أشكالها وألوانها.. قمر المدينة الطرابلسية يستمد الفنان إلهامه من البيئة الطرابلسية ذات الخصوصية المتفردة التي طبعت نقوشها وألوانها ووجوه أهاليها -الباسمة والحزينة- في خافقه ومخيلته البكر، كما يستمد خصوصيات لوحاته من قمر المدينة الطرابلسية الذي يقعد في عينيه تارة بهيئة الملاك، ويقعد تارة أخرى بهيئة القلب المخضوضر من فرط الحب، ولجمال البحر المفعم بالكرم والجود تارة، والانتهازي الغادر الذي يسرق أجساد الناس في لحظة المرح تارة أخرى، تأثير من حيث الفرح والحزن..
وكل ذلك يشكل انعكاسا حقيقيا ونبيلا لذائقته التشكيلية التي يمكن وصفها بالشاعرية.. فلسفة الروعة والجمال الفنان "محمد" ذاكرة حقيقية لزمنه المعاش، يتميّز بخاصية فنية تشكل خصلة رائعة في العمل المنجز لديه الذي لا ترتبط جودته بزمن معيّن، فهذه الخاصية هي أن فكرة اللوحة التي هو بصدد إنجازها كفكرة الشعر تأتي للذهن في لحظات بارقة وغير متوقعة البتّة.. فكل مدارس التشكيل من الناحية الجمالية في إطار فلسفته جميلة ورائعة، والعمل الواقعي بكافة صُعده من ناحية اللون والنسبيّة والبعد عندما يمنحها الفنان تلك النواحي نفحة من روحه يشد المنجز حواس المشاهد ويمتعها بالنظر إلى الأعمال.. خصوصيات الرسام الشاعر خصوصياته تتمثل في ملمس لوحاته البارز -خلافاً لما هو موجود ومعتاد على الساحة التشكيلية الليبية- وهذا يمنح لنظر المشاهد بعداً أشبه بالبعد الثالث، ومن خصويات الفنان أيضاً أنه ينثر في الهواء لونه ممتّعاً إياه بالبرود، وهذا كفيل بأن يجعل من أعماله تدل عليه وليس هو من يدل عليها، كما يميل بديهيا وبكثرة مبالغ فيها إلى اعتماد اللون الأزرق الكحلي في لوحاته إلى جانب الأبيض نتيجة لتأثيرهما في لاوعيه ولاغني له عنهما في منجزاته..
المدن المسافرة الفنان التشكيلي "عبد القادر بدر" فنان شاب من مدينة بنغازي، انطلاقته جاءت عبر المرسم الجامعي بجامعة قاريونس عام 1986م، وأقيم أول معرض له في مهرجان "النهر الصناعي العظيم" عام 1987م، قبل أن تتوالى مشاركاته في العديد من المعرض بأرض ليبيا.. يميل الفنان في أعماله إلى التجريد، ويستشفّ أعماله من خلال وحي التشكيلات الهندسية للمدن المسافرة نحو الحاضر، بأطلالها وأبوابها وشبابيكها، وعبر البيئة الليبية بأريافها وصحرائها وبحرها.. رسم "عبد القادر" الواقعي والزيتي والمائي في مراحله الأولى قبل أن يعتمد في لوحاته الأخيرة على مادة "الأكريلك" لبساطتها وسهولة التعامل معها.. الأبواب والشبابيك تعني له حكاية الناس والمدينة، كما تعني له أسرار البشر، فكما يقول: "وراء كل باب وشباك تدور حكاية خصبة".. في حقبة الستينيات اهتم بالفسيفساء الرومانية وأكسبها الطابع التراثي الليبي، واستخدم فيها الورق المقوى بطريقة القصّ واللصق او ما يعرف بــ(الكولاج)، وقد شاهدت عملاً له يصوّر عناصر التراث الليبي "الحويتة والخميسة والقرين" مع الزخرف الموجود بالملابس والحلي القديمة..
الفنانة التشكيلية "سعاد أحمد اللبة" باب وأفق من ألوان الذاكرة من الفنانات الشابات اللائي يسرن بخطىً ثابتة ومتطوّرة، ولديها العديد من الأعمال الجميلة التي شاركت بها في الكثير من المعارض وأذكر منها على سبيل المثال مجموعة من اللوحات التي تشكل لديها مكانة وذكريات خاصة وتتضمن حكاياها الجميلة.. منها (باب السعادة) الذي أخفت خلفه -ربما- أسرار طفولتها وشبابها وهي ترفض البوح بما وراء هذا الباب المصنوع من ألوان الذاكرة من حكاوى وأسرار، لكن ربما هناك يقبع صوت الأمل القادم من بعيد وربما هناك من يستحق العثور على مفتاح هذا الباب ليكتشف اللغز.. اللوحة الثانية عنوانها (الأفق) وتمنح عبرها البصر امتداداً لا محدوداً.. وترمز به للحريّة –ربما- ولوحة أخرى عبارة عن مدينة، إذ نجد بأن الألوان التي اعتمدتها في المباني والطبيعة ذات نمط متفرّد لا يتسم بالواقعية أو ربما هو الواقعية بعينها.. لوحة ذات معان كثيرة تنتمي أعمالها للمدرسة التجريديّة، وتستخدم عبر لوحاتها تقنيات اللون المائي، لا يمكن لمشاهدين اثنين أن يطلقا ذات الاسم على لوحة واحدة من لوحاتها، فأعمالها تتضمّن مواضيع عدة، وتضج بالايحاءت والمدلولات المتداخلة والمتشعّبة، ولذلك فهي تعمد في الغالب إلى عدم تسمية أعمالها، وتترك هذه المهمة للمشاهد حسب رؤيته.. مرآة روح وعقل وجسد الأجواء التي تستمد منها أفكار أعمالها تتجلّى في البيئة الليبية الجميلة، لغناها بالمعاني والقيم، كما أن نظرتها للحياة وما حولها، جوهرية، وليست متجرّدة، حتى أنني ظننتها قد ملكت المرآة التي تكشف السر الكامن في خلد الإنسان وهذا يوحي به قولها: "بأن العمل الفني عندها بمثابة مرآة الروح والعقل والجسد"، والرسم في فلسفتها ينبع من جسد آخر بداخلها، من روحانيتها، لا تجرؤ على كبح جماحه أو التحكم فيه..
الفنان التشكيلي محمد أبو ميس.. الراحل عبر دروب الفن فنان تجريدي لا يهدأ ولا يكله التجريب، والأخير عنده فن قائم بذاته، خاض عبر جميع المدارس ولا يمكن حصره في مرحلة أو قالب معين، إنما هو في سعي دؤوب لخلق توليفة بين التعبيريّة والرمزيّة والتجريديّة، خاض كذلك عبر المرحلتين التجريدية الانطباعية والغنائية، وهما مرحلتين يلعب خلالهما اللون دور البطولة.. تحسه من خلال أعماله يهدف لخلق توليفة موحدة بين الهوية العربية والليبية، ويفكر في كيفية صوغها في صياغات أخرى يقدمها للمتلقين الآخرين عبر العوالم المكانية والزمانية، بصورة مغايرة تتكلم بلسان أحوالهم – المتلقين- بما تقتضيه ميولاتهم.. علاقة اللون بالجغرافيا والمعمار خاض عبر المرحلة الترابية، لا شعورياً، وطرحت أعماله (تساؤلاً حول علاقة الهوية باللون؟) ففي الأصل خلقنا من تراب "طين" ورجوعنا إليه، كما أن المساحة الجغرافية لليبيا تشكل ما نسبته % 80 صحراء، بالإضافة إلى أن المرحلة التي تمر بها البلاد تمثل مرحلة التطوير العمراني، والعواصف الترابية تؤثر بشكل قوي وفاعل وطاغي على هويتنا.
©صحيفة أويا الالكترونية
No comments:
Post a Comment