لقاء وتصوير : عبد الرؤوف خولة الثلاثاء, 22 سبتمبر - الفاتح 2009 20:13
غنيت للثورة فى أسبوعها الأول أربعة أعمال
وجدناه يتكئ على عكازه الذي لايفارقه وهو الرفيق الوحيد له في هذه الدنيا يعينه على عثرات الزمن .. وجدناه باسم المحيا كعادته دائماً متألقاً رغم سنوات العمر ومرارة العيش ولمسات التألق والتأنق مازالت تلفه ضاحكاً للزمن رغم الغصة التي بحلقه .. استقبلنا في قبو أوحجرة الغفير أو " البدروم " رسمها ماشئت بأسفل أحد عمارات مدينة طرابلس يمكث فنان أفنى 45 سنة من عمره في خدمة الفن :- ظروف اجتماعية قاهرة وخارجة عن إرادته أوصلته إلى ماوصل إليه سألناه عن الفن والحب أجاب " وين عدى وين ياعيوني " سألناه عن الرفيق أجاب " الليل قاسي يابعيد الحيرة " سألناه عن الحبيب أجاب " راحلة ياراحلة " سألناه عن العون والمساعد أجاب " مستنيك " سألناه عن الوفاء أجاب " لانسيت ولاخليت من ينساهم " أنهكه المرض ومزقته الوحدة تمنى أن يعود الزمن إلى الخلف ليعيد ترتيب أوراقه من جديد .. قدم العديد من الأعمال فاقت المائة عمل بأرشيف الإذاعة كُرم في أكثر من محفل .. تخلى عنه الكثيرون ووقف معه عدد من رفاق الدرب يعيش وحيداً داخل هذا القبو الخالي تماماً من أبسط الشروط الصحية الهواء والشمس يعاني من روماتيزم حاد جداً جراء الرطوبة داخل هذا القبو، بمجرد أن بدأنا معه الحديث اغرورقت عيناه بالدمع لأنه فنان حساس ويحتاج لكل لمسة وفاء محتاج لمن يسأل عنه قال : أحلم بمنزل به شرفه أتنسم فيها الهواء وأرعى بها الزهور والورود أحلم بسيارة أتنقل بها لأن راتبي كله يذهب للمواصلات .. أحتاج للعلاج فإنى أشكو عديد الأمراض بداية من الضغط والسكر مروراً بالرماتيزيم ونهاية بمشاكل في القلب ولن نطيل عليكم ونترك الفنان علي القبرون يتحدث ...
لا أطلب إلا سكناً لائقاً وعلاجاً .. وتستطيع الرجوع إلى مجلة الإذاعة قديماً وتقرأ عناوينها أبرزها . الفنان علي القبرون أغانيه التي عانقت الثورة منذ قيامها حيث أنني في الأسبوع الأول للثورة تغنيت بها في أربع أعمال وأشرقت شمس الثورة علينا . كلمات بشير أحمد وألحان عبد اللطيف حويل وكذلك فجر جديد مع ثورتنا كلمات محمد فتحي وألحان أبو عجيلة محمد وأغنية سجل ياتاريخ الثورة ألحان الشيخ أحمد شاهين وأغنية أجيال بعد أجيال كلمات أحمد الحريري وألحان وحيد خالد . هذا في الأسبوع الأول للثورة فقط 4 أعمال وطنية عمري 66 عاماً ولا أستطيع المشي على قدمي إلا بمساعدة نصف راتبي أصرفه على المواصلات وما أجبرني للحديث إلى الغصة والمرارة التي أتذوقها في حياتي اليومية . في الفترة الأخيرة سمع الأستاذ نوري ضوء الحميدي بحالتي فأصدر قراراً بعلاجي في تونس وذلك سيكون بمشيئة الله بعد عيد الفطر مباشرة وكذلك لاأنسى أفضال الأستاذ عبد الله منصور حيث أنه يتذكرني بين الفترة والأخرى ..
أويا : حاولنا أن نخرج به من هذه الأجواء مذكرينه بأيامه الفنية والبدايات فعلت ابتسامة خفيفة على محياه متذكراً تلك الأيام قائلاً : علي القبرون البداية كانت سنة 1955 بالتحاقي بمدرسة الفنون والصنائع التي يشرف عليها الأستاذ رمضان الأسود وتعلمت الموسيقى وتعلمت العديد من الأمور إلا أنني وجدت نفسي في الموسيقى في تلك الفترة كان الفنان المرحوم كاظم نديم يقوم بزيارات متتالية إلى المدرسة وكان يعلمنا الموسيقى والأناشيد منها .. رفعنا اللواء .. بالعزم الأكيد وفي سنة 58 غنيت عديد الأغاني الخاصة بالأطفال وعديد الأناشيد الوطنية .. إلى أن تخرجت من مدرسة الفنون والصنائع والتحقت بمدرسة الزواية الثانوية بمدينة الزاوية وكنت أحي عديد الحفلات في تلك المدينة الجميلة وكنت افتتح الحفلات والمهرجانات بقراءة القرآن الكريم .. بعدها وبالتحديد سنة 1962 التحقت بركن الهواء بالإذاعة . الذي كان يشرف عليه الأستاذ كاظم نديم وكنت متأثراً جداً بالموسيقار فريد الأطرش وأتقن كل أغانيه بمهارة فائقة .. وكنت أكثر من سنتين في ركن الهواء سنة 1964 شكلت لجنة لاختياري كمطرب واعتمادي بالإذاعة وكانت اللجنة مشكلة من الأساتذة بشير فهمي ومحمد الدهماني ومحمد الكعبازي وكاظم نديم وفائق بن سلطان وسكرتير اللجنة وقتها كان حيدر الجعراني .. ونجحت والحمد لله وبتفوق وكان العمل الأول لي كمطرب حيث طلبت منّي اللجنة حفظ اللحن الموجود لدى بشير فهمي لأغنية بمناسبة معرض طرابلس الدولي تقول كلماتها .. معرض بلادي جاد في تياره ويعجب بنظامه كل من زاره .. تلك هي البداية .. بعدها غنيت لعبد اللطيف حويل وحسن عريبي في نفس الوقت .. كان أغنية حسن عريبي عنوانها " روحين في جسم واحد ... ... وأغنية حويل بعنوان " لوكان توزن بالوقـــية حنيني " كلمات أحمد الحريري .
أويا : ماحكاية أغنية الليل قاسي يابعيد الجيرة التي لم تأخذ حقها إعلامياً ..؟ علي القبرون :هي من كلمات الشاعر المبدع أحمد الحريري وكنا نلتقي في المقهى التجاري بشارع أحمد المقريف شلة من الفنانين وكان كل الفنانين يستعرضون مالديهم من كلمات وألحان فسألني الفنان أحمد الحريري عن هذا العمل الليلي قاسي فأعجبني جداً وكان بجانبي صديقي الدائم عبد اللطيف حويل وسألته مارأيك فأخذه ولحنه وظهر بهذا الشكل الجميل الذي في الحقيقة لم يأخذ حقه إعلامياً رغم جمال العمل وروعته لحناً وكلمات ولا أعرف سبب عدم انتشار هذا العمل .. ربما سبقه عمل لي بعنوان .. بعنوان عدى وين ياعيوني ونال نجاحاً منقطع النظير الشيء الذي لم ينجح بعده الليل قاسي حيث تمتعت أغنية وين عدى باإيقاع القوي والسريع والزكرة . عمل الليل قاسي كان هادئاً جداً وبالتالي لم ينل حظه كسابقه
أويا : على ذكر وين عدى وين ياعيوني ودخول الزكرة لأول مرة في الأعمال الحديثة حدثنا عن هذا العمل ؟ علي القبرون : هذا العمل وراءه قصة .. أتذكر سنة 1973 كانت فرقة الإذاعة في رحلة إلى الجنوب وتحديداً إلى سبها وذلك لتسجيل مجموعة أعمال .. في هذه الأثناء تعرفنا على شاب من المدينة اسمه عثمان القاضي الله أمسيه بالخير لاأعرف أخباره حالياً .. المهم كنا مدعوين لدى هذا الفنان فأخذ الطبل وبدأ يدندن بهذا اللحن إلا أن الكلمات مختلفة حيث كانت كلماتها " عندكش دواء ياطبيبة .. للجرح اللي يقطر بدماه " فارتسخ هذا اللحن في مخيلتي ولم يفارقني طيلة الرحلة وبحت لصديقي الفنان عبد اللطيف حويل برغبتي في هذا العمل والبحث له عن كلمات .. فأشار لي بالذهاب إلى الفنان علي السني وذهبنا إليه وبمجرد سماعه للحن قال لي كلمات هذا العمل جاهزة فأحضر رزمة ورق وأخرج منها أبيات شعر " وين عدى وين ياعيوني .. رانا لشبحه مشتاقين ياعيوني " فقلت هذا ما أبحث عنه .. وأهتم بها جاهداً الفنان عبد اللطيف حويل وعمل لها مقدمة موسيقية بسيطة وجميلة .. بعدها طلبت منه إدخال الزكرة على هذا العمل فذهبنا إلى محمود الشريف رحمة الله عليه الذي يعتبر من أشهر وأقوى عازفي الإيقاع في ليبيا فأشار إليّ بالذهاب إلى بشير الشعتاني الذي يعتبر من أقوى عازفي الزكرة في تلك الفترة أما فيما يخص الإيقاع المصاحب فهذا أمره سهل واجتمعنا جميعاً وعملنا تدريبات مع الفرقة الموسيقية .. ونجح العمل والحمد لله منذ سنة 1974 إلى حد الآن ...
أويا: ما سر ابتعادك المبكر عن الوسط الفني..؟ علي القبرون: في البداية كان الإصابة بداء السكر اللعين الذي أثر كثيراً في عملية النظر وتساقط الأسنان وكذلك خلل في السمع وأيضاً الظروف الاجتماعية القاهرة التي مرت بي كل هذه العوامل جعلتني ابتعد قليلاً ولم انقطع نهائياً حيث سجلت آخر عمل عاطفي بعنوان "دنيا وما تبنا على غالينا ولاعين صبرت بعد وقت يجينا" وكان ذلك سنة 1987 بعد ذلك تغنيت ببعض القصائد الدينية في برنامج عطية محمد نور أسماء الله الحسنى وسجلت معه ملحمة أعطاني فيها بيت أغنية سنة 1988 بعدها اتجهت للمألوف والموشحات بعد تأسيس فرقة الشروق التي نجحت نجاحاً كبيراً وشاركنا في عديد الدول والمهرجانات وكانت الفرقة بقيادة الفنان مفتاح علي وتضم الفنانين عبداللطيف حويل وراسم فخري ومحمد رشيد ولطفي العارف ومحمد فتحي وأبو عجيلة الشريف يونس دانو، محمد الزويبك، خالد عبدالله، فاروق السويح كل هؤلاء الفنانين هم مؤسسون لفرقة الشروق للمألوف والموشحات ومنذ سنوات فارقت هذه الفرقة حيث صحتي لم تعد تسمح لي بممارسة أي عمل فني فقررت أن استريح داخل "البدروم" الخاص بي والحمد لله رب العالمين وتقاعدت من الإذاعة وأنا اتقاضى حالياً معاش تقاعدي يعينني على الحياة إن كان مازال في العمر بقية..
أويا: هل مازلت متواصلاً مع الوسط الفني...؟ علي القبرون: نعم هناك مجموعة من الأصدقاء المخلصين الذين لم ينقطعوا عني سواء بالزيارات أو الاتصال الهاتفي أذكر منهم وأرجو أن لاتخونني الذاكرة.. الفنان لطفي العارف، حسن فرحات، محمد شعيب، عبداللطيف دويل، راسم فخري، ولا أنسى الأستاذ عبدالله منصور والأستاذ نوري الحميدي والأستاذ محمود البوسيفي الذي ساعدني أكثر من مرة ولم يبخل عني بشيء وكذلك الفنان محمد كرازة المصور وكذلك البدري كلباش..
أويا: كلمة أخيرة أستاذ علي القبرون علي القبرون: الفنان لدينا يقدم عديد التضحيات منها التفرغ التام لِفنّه دون التفاتة إلى حياته الخاصة ونظرة المجتمع الدونية إليه ومع كل هذا لايجد من يقف معه في نهاية عمره الذي افناه في الفن ولا أطلب في هذا اللقاء إلا قليلاً من الإهتمام من المسؤولين في سكن لائق وعلاج وأتمنى التوفيق من عند الله وشكر خاص لأويا ورئيس تحريرها على المجهودات التي تبذل وعلى هذه اللفتة الكريمة من حضرتكم في هذا الشهر الكريم..
No comments:
Post a Comment